(( فلسطين عبر التاريخ ))
كان لسيدنا يعقوب عليه السلام اثنا عشر ابناً هم الاسباط المعروفون ببني اسرائيل (واسرائيل هو لقب ليعقوب_عليه السلام_) وقد هاجروا الى مصر واستقروا فيها . حيث عانوا من اضطهاد الفراعنة بضعة قرون . وأرسل الله لهم موسى _عليه السلام_(في القرن 13ق.م) لينقذهم من فرعون وطغيانه,وأهلك الله فرعون وجنوده , غير ان بني اسرائيل في ذلك الزمان كانوا قد طُبعواعلى الذل والجبن
, فرفضواالذهاب الى الارض المقدسة قائلين لموسى :(( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ )) (سورةالمائدة اّية 24).
وتوفي موسى _عليه السلام_ قبل ان يدخل فلسطين ,وعندما نشأ جيل جديد من صلب بني اسرائيل بعد اربعين سنة من التيه, قادهم يوشع بن نون _عليه السلام_ (نحو119 ق.م) حيث عبر بهم نهر الاردن , واستطاع تحقيق بعض السيطرة لبني اسرائيل في الجزء الشمالي الشرقي من فلسطين.
ولمدة 150 سنة تالية سادت النكبات والفوضى والخلافات والانحلال الخلقي والديني بين بني اسرائيل . ولم يتحسن حالهم الا بقدوم طالوت ملكاً عليهم , والذي استطاع الانتصار على اعدائه.
ولمدة 150 سنة تالية سادت النكبات والفوضى والخلافات والانحلال الخلقي والديني بين بني اسرائيل . ولم يتحسن حالهم الا بقدوم طالوت ملكاً عليهم , والذي استطاع الانتصار على اعدائه.
وكان ظهور داود_عليه السلام_ الذي خلف طالوت ايذاناً ببدء مرحلة جديدة لنور التوحيد في الارض المباركة , حيث اتاه الله الملك (نحو 1004 ق.م) وقد واصل حربه ضد الاقوام الكافرة على الارض المقدسة, حيث اخضعها واستطاع نقل عاصمته الى القدس سنة 995 ق.م, وسيطر على معظم فلسطين باستثناء معظم المناطق الساحلية التي لم تخضع له. واستمر في حكمه _عليه السلام_ حتى سنة 963 ق.م عندما خلفه ابنه سليمان _عليه السلام_ (963-923 ق.م) حيث شهدت فلسطين حركة بناء وعمران وازدهار ضخمة , وسخر الله له الريح والجن, واعطاه ملكاً لا ينبغي لاحد من بعده. وكان حكم داود وسليمان هو العصر الذهبي , الذي حكمت فيه فلسطين 80 عاماً , تحت راية الايمان والتوحيد قبل الفتح الاسلامي لها.
وبعد وفاة سليمان انقسمت مملكته الى دولتين منفصلتين متعادلتين في كثير من الاحيان فنشأت مملكة "اسرائيل" شمال فلسطين خلال الفترة (923-721 ق.م) , التي سمتها دائرة المعارف البريطانية ازدراء "المملكة الذيلية" , حيث ضعفت وفسد حكمها, وانتهى امرها بسيطرة الاّشوريين بقيادة سرجون الثاني عليها , وتدميرها ونقل سكانها من بني اسرائيل الى حرّان والخابور وكردستان وفارس , واحلوا مكانها جماعات الاّراميين , ولم يبقى بعد ذلك اّثار لأسباط بني اسرائيل العشرة الذين شكلوا هذه الدولة. اما مملكة "يهودا" فاستمرت خلال فترة (923-586 ق.م) , وكانت عاصمتها القدس وقد اعترتها عوامل الضعف والوقوع تحت النفوذ الخارجي فترات طويلة , فقد هزمها ودخل عاصمتها فرعون مصر (اواخر القرن العاشر ق.م) وفعل مثله الفلسطينيون في عهد يهود رام(849-842 ق.م), واضطرت لدفع الجزية للاّشوريين..., ثم انها سقطت اخيراً بيد البابليين بقيادة نبوخذ نصر الذي خرَّب القدس , ودمر الهيكل , وسبى حوالي 40000 من اليهود , وبذلك سقطت مملكتهم سنة 586 ق.م.
وتشير التوراة الى اّثار بني اسرائيل التي استحقوا بسببها دمار مملكتهم , فتذكر على لسان اشعيا , وهو احد انبيائهم :" ويل للأمة الخاطئة , الشعب الثقيل الاّثم ,نسل فاعلي الشر , اولاد مفسدون تركوا الرب, واستهانوا بقدوس اسرائيل , وارتدوا الى وراء " سفر اشعيا , الإصحاح الاول , وتقول التوراة :" والارض تدنست تحت سكانها لأنهم تعدوا الشرائع , غيروا الفريضة , نكثوا العهد الابدي " سفر اشعيا , الاصحاح 24.
وهكذا لم تطل مملكة بني اسرائيل في فلسطين اكثر من اربع قرون حكموا في معظم الوقت بعضاً من ارضها , وكان حكمهم غالب الوقت ضعيفاً مفككاً , وخضع احياناً لنفوذ وهيمنة دول قوية مجاورة . وفي الوقت نفسه ظل ابناء فلسطين من الكنعانيين وغيرهم في ارضهم , ولم يهجروها او يرتحلوا عنها.
وقد سمح الامبراطور الفارسي قورش Cyrus لليهود بالعودة الى فلسطين , فعادت قلة منهم , عاشت الى جانب ابناء فلسطين , وتمتعت منطقة القدس بنوع من الحكم الذاتي تحت السلطة الفارسية التي استمرت خلال الفترة(539-332 ق.م). وتلا ذلك العصر السيطرة الهللينية الإغريقية على فلسطين خلال الفترة (332-63 ق.م), واستمر يدير شؤون اليهود "الكاهن الاكبر" , واستطاع اليهود تحقيق حكم ذاتي منذ ستة 164 ق.م أخذ يضيق ويتسع , وتزداد مظاهر استقلاله وتضعف حسب صراع القوى الكبرى في ذلك الوقت على فلسطين (الرومان ,البطالمة, السلوقيين...).
وقد تمكن الرومان من السيطرة على فلسطين سنة 63 ق.م , واخضعوها لحكمهم المباشر منذ السنة السادسة الميلادية حيث ألغوا الحكم الذاتي اليهودي في منطقة القدس , وقد ثار اليهود خلال الفترة (66-70م) لكن القائد العسكري الروماني تيتوس Titus أخمد ثورتهم ودمر الهيكل , ثم ثار اليهود مرة اخرى وأخيرة خلال الفترة(132-135 ق.م) لكن القائد الروماني جوليوس سيفروس Julius Severus احتل القدس ودمرها وأقام الامبراطور الروماني هدريان Hadrian مدينة جديدة فوق خرائبها سماها ايليا كابيتولينا Ilia Capitoline حيث عرفت بعد ذلك باسم إيلياء , وهو اسم هارديان الاول .وحظر على اليهود دخول القدس حوالي مئتي سنة تالية , وندرت أعدادهم نسبة الى السكان طوال 18 قرناً تالية . بينما ظل اهل البلاد الاصليين من كنعانيين ومن اختلط بهم من القبائل العرب ,مستقرين في البلاد قبل قدوم بني اسرائيل وفي اثناء وجودهم وظلوا مستمرين كذلك بعدهم الى ايامنا هذه.
وقد تولت الدولة البيزنطية (دولة الروم) القسم الشرقي من الدولة الرومانية منذ 394م , واستمرت في الهيمنة على فلسطين , عدا فترات ضئيلة من النفوذ الفارسي , حتى جاء الفتح الاسلامي لفلسطين ستة 15هـ /636م.
د.محسن محمد صالح
كتاب القضية الفلسطينية (ص14-16)
2012م-1433هـ
بيروت - لبنان