منذ نشأه الحروب في التاريخ ، اتخذ الجانب المدافع الحصون للدفاع عن نفسه ، سواء كانت تلك الحصون هي حوائط حجريه او قلاع حربيه او انهار صناعيه او خنادق ، وفي القرن العشرين وتحديدا خلال الحرب العالميه الاولى والثانيه وما بعدها ، كانت فكرة الحصون والقلاع الحصينه والخطوط الدفاعيه مسيطرة تماما علي الفكر العسكري للدفاع عن الحدود الدوليه لتلك الدول، فنشأت عده خطوط دفاعيه اهمها علي الاطلاق ثلاث:
1- خط سيجفريد ( الالماني)
2- خط ماجينو (الفرنسي)
3- خط بارليف (الاسرائيلي)
خط بارليف – ونهايه عصر الخطوط الحصينه:
ولد خط بارليف من رحم النكسه (1967) كنتيجه مباشرة لتواجد القوات الاسرائيليه علي طول القناه في مواقع مكشوفه امام القوات المصريه والتي رغم ضعفها وعدم تنظيمها بعد النكسه فقد شكلت خطرا على القوات الاسرائيليه التي لم تكن تقبل بقاء الاوضاع على ما هي عليه
وخط بارليف هو تحصين عسكري إسرائيلي تم بناؤه على طول شرق قناة السويس بعد حرب يونيو 1967م وذلك لتأمين الضفة الشرقية لقناة السويس ومنع عبور أي قوات مصرية خلالها، وهو ليس خطا بالمعني المعروف والحرفي ، لكنه عباره عن دشم متباعده وموضوعه بعنايه في اماكن مختارة تشكل فيما بينها خطا دفاعيا.
(دشم في خط بارليف)
وفي صورته النهائيه تميز خط بارليف بساتر ترابي ذو ارتفاع كبير يتراوح من 20 إلى 22 مترا - وانحدار بزاوية 45 درجة على الجانب المواجه للقناة، كما تميز بوجود 20 نقطة حصينة تسمى"دشم" على مسافات تتراوح من 10 إلى 12 كم وفي كل نقطة حوالي 15 جندي تنحصر مسؤليتهم على الإبلاغ عن أي محاولة لعبور القناة وتوجيه المدفعية إلى مكان القوات التي تحاول العبور.
وعرقله الهجوم المصري لحين وصول الدعم المدرع لهم ، كما كانت عليه مصاطب ثابتة للدبابات، بحيث تكون لها نقاط ثابتة للقصف في حالة استدعائها في حالات الطوارئ. كما كان في قاعدته أنابيب تصب في قناة السويس لإشعال سطح القناة بالنابالم في حالة محاولة القوات المصرية العبور، والتي قامت القوات المصرية الخاصة بسدها تمهيدا للعبور في واحدة من أعظم العمليات الخاصه السريه بناء علي فكره اللواء اركان حرب ابراهيم شكيب.
وقد روجت إسرائيل طويلا لهذا الخط على أنه مستحيل العبور وأنه يستطيع إبادة الجيش المصري إذا ما حاول عبور قناة السويس، كما ادعت أنه أقوى من خط ماجينو الذي بناه الفرنسيون في الحرب العالمية، وهو ما كان اقرب للحقيقه .
فقال موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في ديسمبر عام 1969 (( لن تنال عمليات العبور المصرية - إن حدثت - من قبضة إسرائيل المحكمة على خط بارليف، لأن الاستحكامات الإسرائيلية على الخط أشد منعة وأكثر تنظيمًا ويمكن القول إنه خط منيع يستحيل اختراقه، وإننا الأقوياء إلى حد نستطيع معه الاحتفاظ به إلى الأبد))
وفي 10 أغسطس 1973 تحدث ديان في كلية الأركان الإسرائيلية ، قائلا ((إن خطوطنا المنيعة أصبحت الصخرة التي سوف تتحطم عليها عظام المصريين، وإذا حاولت مصر عبور القناة فسوف تتم إبادة ما بقي من قواتها)).
وفي السياق ذاته، قال رئيس الأركان دافيد بن إليعازر ((إن خط بارليف سيكون مقبرة للجيش المصري)).
(قناة السويس)
مما يتكون خط بارليف :
كان خط بارليف وهو أقوى خط دفاعي في التاريخ الحديث يبدأ من قناة السويس وحتى عمق 12 كم داخل شبه جزيرة سيناء على امتداد الضفة الشرقية للقناة وهو يتكون من خطين من الدشم المنفصله : يتكون من تجهيزات هندسية ومرابض للدبابات والمدفعية وتحتله احتياطيات من المدرعات ووحدات مدفعية ميكانيكية، بطول 170 كم على طول قناة السويس، وكانت إسرائيل قد قامت بعد عام 1967 ببناء خط بارليف، والذي إقترحه حاييم بارليف رئيس الاركان الإسرائيلي في الفترة ما بعد حرب 1967 من أجل تأمين الجيش الإسرائيلي المحتل لشبه جزيرة سيناء ولضمان عدم عبور المشاه المصريين لقناه السويس .
ضم خط بارليف 22 موقعا دفاعيا، 36 نقطة حصينة، وتم تحصين مبانيها بالاسمنت المسلح والكتل الخرسانية وقضبان السكك الحديدية للوقاية ضد كل أعمال القصف، كما كانت كل نقطة تضم عددا من دشم الرشاشات، و عدد من ملاجئ الافراد بالإضافة إلى مجموعة من الدشم الخاصة بالأسلحة المضادة للدبابات ومرابض للدبابات والهاونات ،و عدد كبير من نطاقات الأسلاك الشائكة ومناطق الألغام وكل نقطة حصينة عبارة عن منشأة هندسية معقدة وتتكون من عدة طوابق وتغوص في باطن الأرض وزودت كل نقطة بعدد من الملاجئ والدشم التي تتحمل القصف الجوي وضرب المدفعية الثقيلة حتي قنابل زنه 2000 رطل ، وكل دشمة لها عدة فتحات لأسلحة المدفعية والدبابات، وتتصل الدشم ببعضها البعض عن طريق خنادق عميقة، وكل نقطة مجهزة بما يمكنها من تحقيق الدفاع الدائري إذا ما سقط أي جزء من الأجزاء المجاورة، ويتصل كل موقع بالمواقع الأخرى سلكيا ولاسلكيا بالإضافة إلى اتصاله بالقيادات المحلية مع ربط الخطوط التليفونية بشبكة الخطوط المدنية في إسرائيل ليستطيع الجندي الإسرائيلي في خط بارليف محادثة منزله في إسرائيل ، وقد بلغت تكاليف خط بارليف خمسة مليارات من الدولارات.
والسبب في القول بان خط بارليف اقوي خط دفاعي في التاريخ، ان هذا الخط قد استفاد من كل الاخطاء التي وقع فيها الالمان والفرنسيين في تنظيم خطوطهم الدفاعيه السابقه ، فخط بارليف لا يمكن تطويق اجنابه لوقوعها ضمن موانع طبيعيه مثل خليج السويس في الجنوب والبحر المتوسط في الشمال، ولم يكن لدي الجيش المصري الامكانيات لعمل انزال بحري من خليج السويس او البحر المتوسط بقوة مدرعه لتطويق هذا الخط لذلك فهو اقوي من ماجينو وسيجفريد والذين كانت اجنابهم عرضه للتطويق وهو ما حدث فعلا، وكذلك كان خط بارليف قد اكتمل بناءه في كل خط المواجهه بل وطرأت عليه تحسينات خلال وقف اطلاق النار بعد خبرات حرب الاستنزاف مما جعله اقوي من حائط الاطلنطي الذي لم يكن قد اكتمل بعد.
والاهم من هذا كله ان خط بارليف كان يقع بعد سلسله من الموانع التي تعد الاصعب في العالم منها قناه السويس ذلك المانع المائي متعدد اتجهات التيار وسرعتها المختلفه التي تعيق اعمال العبور، والتي اعتبرها خبراء العسكريه في العالم اقوي مانع مائي في العالم ، وخلف تلك القناه ، يقع ساتر ترابي ملغم بالغام افراد وشراك خداعيه، وبزاويه ميل كبيرة جدا تمنع عبوره بالعربات والمدرعات، وخلف الساتر الترابي تربض حصون خط بارليف وسط نطاقات مختلفه من الاسلاك الشائكه والالغام.
بدأ إنشاء خط بارليف، بدءاً من 15 مارس 1968، ولمدة عام كامل ينتهي في 15 مارس 1969، بتكلفة 248 مليون دولار واستخدم كل الإمكانيات المحلية في إنشائه، إذ اقُتلعت قضبان خط السكة الحديد (القنطرة/ العريش) والفلنكات والعوارض الخشبية الضخمة لتكون أسقفاً لحصون الخط، وقام بالإنشاء شركات مدنية إسرائيلية.
وقد قامت القوات الجويه المصريه بطلعات استطلاع يوميه لتصوير مراحل العمل في خط بارليف بطول خط القناه لدرجه ان الخبراء المصريين كانوا يعلمون من الصور الجويه فقط مكونات الخط من الداخل ومما تم بناءه.
كيف خطط المصريين لتدمير خط بارليف:
اتبع القاده المصريين اسلوب علمي فذ لاول مرة في حروبهم ، حيث تم اخضاع العلم لخدمه الحرب ، وليس سرا ان عالما مصريا اخترع وقود الصواريخ المضاده للطائرات من مواد مصريه خام بعد ان كان الاتحاد السوفيتي يتحكم في كميه الوقود المورد لهم لكي يتحكم في قدرتهم على نشر اعداد اكبر من الصواريخ في ظل احتمال ضرب مخازن الوقود المحدوده جوا.
ولقد فوجئ العالم بالاعجاز المصري في العبور، فقد فوجئوا بمعدات بدائيه ترجع الي حقبه ما قبل الحرب العالميه الاولي تقريبا وقد تم تطويرها الى معدات حديثه تخدم المعركه، مثل العربات التي تجر باليد والتي يمكن تحميلها بقدر مقبول من الذخائر يمكن جرها بواسطه جندي واحد والتي وفرت وقتا ومجهودا كبيرا وضاعفت من قوة نيران رجال المشاه، وكذلك سلالم الحبال التي يستخدمها البحارة من القرن الخامس عشر والتي جعلت تسلق الساتر الترابي سهلا مقارنه بما كان يمكن ان يحدث بدون تلك السلالم.
وقد درس المصريين خط بارليف من اليوم الاول لانشائه بثلاث وسائل مختلفه:
الاولي التصوير الجوي
ثانيا الاستطلاع بالقوة :عبر المراقبه بالنظر من الجنود علي الضفه الغربيه للقناه، وعبر دوريات العبور المقاتله التي كانت تعبر القناه سرا ليلا لاستطلاع نقاط خط بارليف والتصنت عليها وتدوين كل شئ يحدث مثل مواعيد الدوريات وعدد الافراد الخ الخ ، وتلك الوسيله اتت ثمارها لحظه العبور حيث عرف كل جندي مصري عدد الجنود في النقطه الحصينه التي سيهاجمها وقائدها.
ثالثا المخابرات : قامت المخابرات الحربيه والعامه بدور كبير جدا في استطلاع خط بارليف عبر عملائهم في الجانب الاسرائيلي، احدهم هو رفعت الجمال الشهير برأفت الهجان والذي ارسل لمصر مخطوطات تصميم الدشم الابتدائيه.
ورغم ندره المعلومات عن الشبكات التجسسيه العامله داخل اسرائيل في هذا الوقت الا ان المعلومات المتيسرة تجعل القضاء على الخط ممكنا...
احد الابطال الذين شاركوا في استطلاع احد نقاط خط بارليف كان غلاما يبلغ من العمر احد عشر عاما، كان بدويا في احدى القبائل المستوطنه قرب احد النقاط الحصينه، واستطاع هذا الفتي ان يدخل تلك النقطه ويداوم علي دخولها مستغلا الغطاء الذي وفرته له المخابرات وهو بيع البيض للجنود الاسرائيلين، حيث سمح له هذا الغطاء التجول حول النقطه الحصينه ودخولها والتعرف علي جنودها واسمائهم وطباعهم واصولهم العرقيه وكذلك حقول الالغام الحقيقيه والخداعيه، وقبل حرب اكتوبر استطاع هذا الفتي زرع اجهزة تصنت لنقل كل ما يدور في تلك النقطه للمصريين، وقبل ساعات من الحرب تم نقل الفتي وعائلته الي القاهرة بعيدا عن الحرب.
تلك امثله قليله لانواع الاستطلاع التي قامت به مصر لمعرفه محتويات خط بارليف، ومع تدفق تلك المعلومات وضعت الخطط المناسبه للتعامل مع كل نقطه حصينه بناء علي المعلومات الوارده من الجانب الاخر للقناه.
وتمشيا مع الروح السائده التي اطلقها الرئيس السادات في ذلك الوقت من الابتكار والابداع المصري الصرف، تم صدور الاوامر بترك مسئوليه التعامل مع نقاط خط بارليف لقاده الفرق لاتخاذ القرار المناسب، ومن ثم اصدر قاده الفرق قرارا الي قاده الويه المشاه بوضع خططهم الخاصه.
وقد تمركز لحظه اندلاع القتال في نقاط خط بارليف لواء المشاه المسمي ( القدس) وعدد جنوده وقت القتال 503 جندي تقريبا.
العبور وسقوط الخط :
فور بدء الحرب ، صب الفي مدفع نيرانهم فوق نقاط خط بارليف، ولم يكن الهدف هو تدمير تلك الحصون بقدر ما كان ادخال الجنود الاسرائيلين داخل الحصون واغلاق تلك الحصون حتي يتسير لجنود المشاه الـ 8000 عبور القناه وتسلق الساتر الترابي بدون مقاومه قويه من تلك النقاط، وتم ذلك بنسبه كبيرة، ثم انتقلت المدفعيه الي العمق بتدرج ملحوظ، وذلك لمنع وصول دبابات العدو الي المصاطب المخصصه لها خلف الحصون، وحتي يتسني للجنود التوغل بين نقاط خط بارليف تحت ستر تلك النيران.
وقد نجحت جميع وحدات المشاه في العبور والوصول الي مصاطب الدبابات قبل ان تتمكن اي دبابه اسرائيليه من الوصول الي اي مصطبه ودمرت في اول ساعات القتال 60 دبابه تقريبا من الدبابات المائه.
وقد امتلئت المراجع الاسرائيليه بوصف الجنود والضباط الاسرائيليين لعبور القوات المصريه وتسلقها الساتر الترابي وتوغلها داخل سيناء بدون ان يستطيع الجنود الاسرائيلين منعهم او الاشتباك لوقفهم، فحملت عباراتهم الدهشه والذعر في ان واحد، لدرجه ان احد الحصون قد سقط في اول دقائق القتال بسبب رعب جنوده من هتاف الجنود ( الله اكبر ) اثناء العبور ، وصدق رسول الله
عندما قال ( نصرت بالرعب علي اعدائي مسيرة عام )
فسقط يوم 6 اكتوبر 10 نقطه حصينه.
اما يوم 7 اكتوبر فقد سقطت 3 نقط حصينه ثم تبع ذلك بقية النقاط يوم 8 اكتوبر.
من موقع المجموعة 73 مؤرخين بتصرف